السباق الأسطوري Rolex Fastnet Race احتفل بالذكرى المئوية لتأسيسه

يُعتبر سباق Rolex Fastnet Race واحداً من تلك الريغات البحرية لمسافة 600 ميل – إلى جانب Newport Bermuda Race، وRolex Middle Sea Race، وRORC Caribbean 600، وRolex Sydney Hobar t – والتي يُعدّ المشاركة فيها إنجازاً مهماً في سيرة أيّ يختي محترف

من غير المجدي مقارنة هذه الريغات البحرية المفتوحة من حيث درجة الخطورة، فكل واحدة منها صعبة ومثيرة بطريقتها الخاصة، وتحمل في طياتها أساطير وتجارب بحرية فريدة. لكن مسار Fastnet يُعدّ اليوم الأطول بين هذه السباقات، وظروف الملاحة فيه معقدة لدرجة أن عدد اليخوت التي تبدأ السباق لا يساوي أبداً عدد تلك التي تنهيه، إذ أن الكثير من الأطقم تضطر للانسحاب بسبب التحديات القاسية.

ومع ذلك، فإن هذه الصعوبات لا تُثني المشاركين، بل على العكس، تجذب المزيد من عشّاق المغامرة الراغبين في اختبار قدراتهم في هذا التحدي البحري الفريد.

ورغم أن أرقام السرعة القياسية للسنوات السابقة لم تُكسر، إلا أن سباق عام 2025 سيظل في الذاكرة، إذ لم يسبق أن شهدت المياه هذا العدد والتنوع الكبير في أنواع اليخوت: من يخوت Sun Fast 30 الصغيرة بطول 30 قدم، إلى يخوت Maxi العملاقة بطول يتجاوز 30 متراً، ومن يخوت Nautor Swan الفاخرة للرحلات والسباقات (التي اجتمعت منها 16 يختاً لأول مرة)، إلى يخوت Imoca 60 وVO70 الرياضية الصارمة، بالإضافة إلى أسطول من القوارب متعددة الهيكل، بما فيها أربعة من أسرع التريمارانات الطائرة في العالم من فئة Ultim.

قليل من التاريخ والإحصائيات

جاءت فكرة السباق بمساره المعروف – الانطلاق من كاوز في جزيرة وايت، والالتفاف حول منارة Fastnet قرب السواحل الإيرلندية، ثم الوصول إلى خط النهاية في بليموث – من اليخوتي البريطاني ويستون مارتير. وقد لاقت الفكرة رواجًا فوريًا، إذ كان الإبحار شائعًا جدًا في المملكة المتحدة آنذاك، حتى إن الملك جورج الخامس كان من عشاق هذه الرياضة وكان يقود يخته Britannia بنفسه في السباقات.

شارك في النسخة الأولى من السباق عام 1925 سبعة يخوت، أنهى منها أربعة فقط السباق، وكان الفوز من نصيب اليخت Jolie Brise، وهو قارب إرشاد فرنسي طوله 56 قدمًا، تم بناؤه عام 1913. وفي العام ذاته، تأسس النادي الملكي البريطاني لسباقات المحيط (RORC)، الذي لا يزال المنظم الرسمي للسباق حتى يومنا هذا.

منذ عام 1931، أصبح السباق يُقام كل عامين. وفي عام 2021، تم نقل خط النهاية إلى مدينة شيربور-أون-كوتنتان الفرنسية، وذلك ببساطة لأن ميناء بليموث لم يعد يتّسع لعدد المشاركين المتزايد، ناهيك عن الحشود الجماهيرية الكبيرة. أما اليوم، ومع التحول للتسجيل عبر الإنترنت، تُحجز أماكن المشاركة خلال دقائق فقط من فتح باب التسجيل.

وقد سُجّل رقم قياسي جديد هذا العام: في 15 يناير الساعة 10:00 صباحًا بتوقيت UTC، تم فتح التسجيل، وفي الدقيقة الأولى فقط، سجلت 217 يختًا (مقارنة بـ178 في 2023)، وبحلول الساعة 11:00، تلقى المنظمون 435 طلب تسجيل!

وقد حاولت اللجنة المنظمة مرارًا فرض حد أقصى يتراوح بين 300 و400 يخت بسبب تقسيم الانطلاقة إلى مجموعات تمتد على ساعات، لكن الطلب المتزايد جعل الحفاظ على هذا العدد أمرًا صعبًا.

ومن الإحصائيات المثيرة في نسخة 2025:اليخوت حملت أعلام 34 دولة،أطقمها تضم أفرادًا من 57 جنسية، وأعمار المشاركين تراوحت بين 14 و81 عامًا.

المسار 

تنطلق سباق Rolex Fastnet Race من بلدة كاوز في جزيرة وايت البريطانية، بإشارة من مدفع قديم يُطلق من حصن نادي اليخوت الملكي. بعد الخروج من مضيق سولِنت، تبحر اليخوت غرباً بمحاذاة الساحل الجنوبي لبريطانيا. عند رأس لاندز إند، تتجه شمالاً لتقطع بحر سلتيك وتدور حول صخرة فاستنت الصغيرة الواقعة على بعد 13 كيلومتراً جنوب سواحل إيرلندا، ثم تعود لتطوّق من الجنوب جزر سيلي، وتتجه بعد ذلك عبر القنال الإنجليزي (المانش) إلى مدينة شيربورغ، أحد أكبر الموانئ الفرنسية.

في السابق، كانت نقطة النهاية في مدينة بليموث، وكانت المسافة الكلية 605 ميلًا بحريًا، أما اليوم فبعد تحويل النهاية إلى شيربورغ، ارتفعت المسافة إلى 695 ميلًا بحريًا.

وعادةً ما كان السباق يُقام في منتصف أغسطس، لكن منذ عام 2019، تم تقديم الموعد إلى أوائل الشهر، وفي هذا العام تم إطلاق السباق في 26 يوليو، وذلك بناءً على توصيات اللجنة المنظمة بسبب الظروف الجوية التي غالبًا ما تسوء في أواخر الصيف.

ويُعد هذا المسار من الأصعب ملاحياً على الإطلاق، نظرًا لما فيه من تيارات مدّ وجزر قوية، طقس متقلب، رياح قادمة من شمال الأطلسي تصل سرعتها أحيانًا إلى 40 عقدة، وعواصف مفاجئة. بالإضافة إلى كثافة الحركة البحرية في بداية ونهاية السباق. كل ذلك يتطلب من المشاركين مهارة عالية، حنكة تكتيكية، صبرًا، وفي بعض الأحيان حتى القدرة على النجاة من المواقف الخطرة.

من أشهر نسخ السباق وأكثرها درامية كانت في عام 1979، حيث ضربت عاصفة عنيفة اليخوت المشاركة، انقلب أكثر من 75 يختًا، وغرق خمسة منها، ولم تنجح سوى 105 من أصل 303 يخت في الوصول إلى خط النهاية. شاركت القوات البحرية وطائرات الهليكوبتر والسفن المدنية في عمليات الإنقاذ، لكن 15 شخصًا فقدوا حياتهم. وقد أدى هذا الحادث المأساوي إلى تغيير شامل في قواعد السلامة البحرية، وصار على جميع المشاركين في السباق اليوم اجتياز دورات تدريبية على النجاة في البحر.

أما في نسخة هذا العام، فقد انسحبت 17 يختًا فقط من السباق، دون تسجيل أي إصابات.

المشاركون ونتائج عام 2025

كما ذُكر سابقًا، تشتهر هذه السباقات بتنوّع الأسطول. من النادر اليوم رؤية مثل هذا التباين في أنواع القوارب عند خط الانطلاق – من قوارب الكربون الطائرة فائقة الحداثة إلى اليخوت الخشبية الكلاسيكية. لذلك تم تقسيم القوارب هذه المرة إلى 13 فئة مختلفة.

القوانين تمنح فرصة فريدة لتحقيق ثلاثية الفوز: الفوز في التصنيف الخطي، والفوز العام ضمن تصنيف IRC، وتحقيق رقم قياسي جديد في السباق.

العديد من المشاركين، من الفرق الاحترافية إلى الطواقم العائلية ذات الشخصين، يشاركون أكثر من مرة. على سبيل المثال، شاركت اليخت Oystercatcher XXXV بطول 15.85 متر بقيادة ماثيو ريتشاردز (مؤسس ورشة بناء اليخوت Oyster Yachts) للمرة الخامسة والعشرين في سباق فاستنت. المتنافسون القدامى، وهم على دراية تامة بقدرات بعضهم، يقومون بتحسين قواربهم قبل كل سباق، ليحوّلوا كل دورة إلى مواجهة خاصة داخل فئتهم.

عادةً ما تدور أكثر المواجهات احتدامًا بين يخوت الماكسى بطول 100 قدم. وكان أبرز المتنافسين هذا العام:

 Black Jack 100 (الاسم السابق Alfa Romeo II، وخضعت لتحديث شامل في إيطاليا)

 SHK Scallywag (الاسم السابق Ragamuffin 100، وفازت سابقًا بسباق Loro Piana Giraglia وأنهت مؤخرًا سباق Rolex Middle Sea Race قبل Black Jack 100 بـ18 دقيقة)

 Leopard 3، والتي خضعت لتحسينات خاصة قبل السباق، شملت استبدال التجهيزات وصناعة أشرعة جديدة وتخفيض وزن القارب بـ10 أطنان.

جاءت Black Jack 100 أولاً بزمن قدره يومان و12:31:21 ساعة، تلتها بعد 58 دقيقة كل من SHK Scallywag وLeopard 3، بفارق خمس دقائق فقط بينهما.

ومن أبرز الانتصارات أيضًا، فوز الفرنسية إلودي بونافو (29 عامًا) على يخت Petits Princes-Queguiner في فئة IMOCA بزمن يومان و14:07:05 ساعة.

أما في فئة Ocean Fifty، فكان الفوز من نصيب الفرنسي ماتيو بيرو على يخت Inter Invest بزمن يومان و08:38:13 ساعة.

لا يمكننا أن نغفل عن إنجاز "المخضرم" – الشلوپ المخصص Sunstone بطول 12 مترًا، الذي صُمم عام 1964 من قبل مكتب التصميم الأمريكي Sparkman & Stephens، وقطع أكثر من 100,000 ميل بحري. كانت جوانبه المطلية بخشب الماهوغاني تبرز بشكل لافت وسط هياكل الكربون الحديثة. تمكن القبطان ومالك اليخت الكلاسيكي، البريطاني ويل تايلور-جونز (Will Taylor-Jones)، من قيادة فريقه إلى المركز الأول في فئة IRC 4B بزمن فعلي بلغ 5 أيام و03:02:21، وزمن معدل حسب الهانديكاب بلغ 4 أيام و18:03:26.

أما من حيث السرعة، فقد كانت الغلبة بالطبع لليخوت متعددة الهيكل. ففي حين يستغرق المشاركون من أصحاب القوارب الصغيرة قرابة أسبوع لاجتياز المسافة، لا تحتاج ثلاثية الهيكل الطائرة من فئة Ultim 32/23 (تأسست هذه الفئة عام 2018 وتشير الأرقام إلى أبعاد اليخت بالأمتار) إلى أكثر من يومين. لم يتمكن القارب SVR Lazartigue، بقيادة نجم الإبحار الفرنسي الصاعد توما لابيرش (Tom Laperche)، من كسر رقمه القياسي لعام 2023 البالغ 1 يوم و08:38:27، لكن الفارق لم يتجاوز تسع دقائق فقط.